في الحقول الخضراء في شمال سوريا، حيث تنتج الأرض الحياة والغذاء، تجري ثورة صامتة. ترسم مبادرة “وطن”،مثل فنان بارع، مستقبلًا نابضًا بالحياة لمزارعي الخضروات، وتحول تحدياتهم إلى فرص مع كل لمسة من التعاطف والابتكار.
إن الزراعة، كما أشار ثورو ذات مرة، ليست مجرد علم، بل هي فن يمزج بين المعرفة والحكمة. يتردد صدى هذا الشعور بعمق لدى المزارعين في شمال سوريا، الذين يتصارعون مع تحديات هائلة مثل أهمية حرفتهم. تواجه هذه المنطقة، وهي قلب زراعي، تهديدات لا تعد ولا تحصى لتراثها الزراعي، مما يعرض الأمن الغذائي لمجتمعاتها للخطر.
ومن بين هذه التحديات خسارة الأراضي الصالحة للزراعة، نتيجة للصراعات المسلحة، وتغير المناخ، وتضاؤل المياه الجوفية. وتؤدي هذه الشدائد إلى تآكل خصوبة التربة، مما يعوق قدرة المزارعين على زراعة المحاصيل بكفاءة وبشكل مستدام.
في هذه الأرض يتجلى الأمل والقوة في مبادرة وطن كأحد أبرز الركائز الرائدة، التي تقود التنمية المستدامة في شمال غرب سوريا. إنها شهادة على تفاني الإنسان وإبداعه الاقتصادي، وتوفير دعم ملموس للمجتمع الزراعي المحلي ورعاية نظام بيئي مزدهر للنمو والفرص.
تهدف “وطن” في جوهرها إلى تعزيز سلسلة القيمة لمحاصيل الزيتون والخضروات، وتمكين المزارعين اقتصاديًا وتنشيط الممارسات الزراعية في المنطقة. ومن خلال آليات الدعم المبتكرة، تعمل المبادرة على تحفيز التغيير الحقيقي،وتخفيف عبء الإنتاج وتعزيز إنتاجية المزارعين.
مع توجيه الاتحاد الأوروبي للدعم المستمر، وبتنفيذ من جمعية “أكاديا” النسائية، قامت “وطن” بتوزيع أكثر من 700 ألف شتلة من الخضار الأساسية، مثل الفلفل والبندورة والباذنجان والجبس، على أكثر من 102 مزارع في كيلي وكفر عروق. وهذا التدخل يتجاوز مجرد المساعدات؛ فهو استثمار في المستقبل الزراعي للمنطقة، وتعزيز الاستدامة وضمان الأمن الغذائي.
ومع ذلك، فإن تأثير “وطن” يمتد إلى ما هو أبعد من توزيع الشتلات. وتقدم المبادرة المساعدة الفنية المتخصصة من خلال الزيارات الميدانية التي يقوم بها فريق من الخبراء الزراعيين. يقدم هؤلاء المحترفون رؤى لا تقدر بثمن، مما يضمن للمزارعين اختيار الشتلات المناسبة لتحقيق أقصى قدر من الإنتاجية وجودة المحاصيل.
وكما قال الدالاي لاما ذات مرة: “كل يوم، يكتب كل منا فصلاً جديدًا، ونقدم لأنفسنا الفرصة لنكون أفضل من الأمس”. وفي رحلة “وطن”، نجد أنفسنا نؤلف هذه الصفحات الجديدة بحماس وعزم، ونرسم مستقبلًا أكثر إشراقًا للزراعة والاقتصاد في مجتمعاتنا.
ووقوفاً على أعتاب هذا المستقبل الواعد، تنحسر ظلال التحديات والمصاعب، ليفتح المجال لفجر مملوء بالإمكانات والتحولات الإيجابية. ومن خلال مبادرات مثل “وطن”، ندرك أن الزراعة ليست مجرد علم، ولكنها فن، حيث تتناغم المعرفة والحكمة لتعزيز التنمية المستدامة وتعزيز سبل العيش المحلية.
وفي هذا العالم الذي يتطور باستمرار، تظل الزراعة حجر الزاوية ف لاستمرارية الحياة البشرية. وبينما نزرع بذور الأمل والتغيير، نبدأ رحلة عميقة لإعادة تصور علاقتنا بالبيئة والوفرة الزراعية.
لنقف معاً – المزارعون والمبتكرون والداعمون – لتشكيل غد أكثر إشراقًا للزراعة ولأجيالنا القادمة. لتتفتح أزهار الإبداع والازدهار في ربوع الأرض، ويتسع أفق الأمل لينير طريقنا نحو التغيير والتنمية المستدامة.